نشرت جريدة الصباح النبذة التالية عن تاريخ البهائية في العراق:
للطوائف والعقائدجاء الاعتراف القانوني بالطوائف غير المسلمة في العراق، عبر بيان المحاكم رقم 6 في العام 1917 وعلى وفق المواد 13و16و17 من البيان والذي يتضمن (..ان تكون الاحوال الشخصية لكل طائفة معهودة الى جماعة ممن ينتسبون الى تلك الطائفة).ومنذ ذلك التاريخ، بدأت المحاكم المدنية بتصديق عقود الزواج للبهائيين التي يعقدها محفلهم الروحاني بموجب احكام الشريعة البهائية، وعزز الدستور العراقي الذي كتب في العام 1925 هذه الحرية للأديان إذ اعترف وبشكل واضح وصريح بحرية الأديان والعقائد، مما منح هذا المناخ الفرصة للبهائيين، ان يستكملوا تأسيس مجالسهم الروحانية ( المحفل الروحاني المركزي والمحافل الروحانية المحلية) واتخذوا لهم مقرا رسميا وعلنيا في الحيدرخانة، يقيمون به شعائرهم الدينية وفعالياتهم الاجتماعية، ويسميه البهائيون( حضيرة القدس) وفي العام 1936 اصدرت الحكومة العراقية، الدليل الرسمي الصادر من وزارة الداخلية، ( .. من عرب واكراد واقوام اخرى...وفي العراق مسلمون ومسيحيون واسرائيليون ويزيديون وصابئة وعدد قليل من البهائية والمجوس، والحرية مكفولة بالدستور..) واستمر البهائيون بالتفاعل في الحياة الاجتماعية العراقية ينعمون بحرية ممارسة طقوسهم الدينية والاجتماعية، ومنسجمين مع نسيجهم العراقي كبقية المكونات، حتى وقع الانقلاب الفاشي في العام 1963 فحلت المعاناة واشتد الخناق عليهم وطوقت حرياتهم وتتابعت الكوارث والمحن عليهم. وبدأت محاولات منع النشاط البهائي في العراق العام 1967 لكن هذه المحاولة اجهضت بوساطة وزير العدل رشيد مصلح الذي وقف ضدها، الا ان معاناتهم أخذت بالتصاعد وتعرضوا للتنكيل والسجون، حتى انتهى بهم الحال الى صدور قرار مديرية الأحوال المدنية المرقم 358 في 24 /7 /1975 القاضي بتجميد قيود البهائيين في سجلات الأحوال المدنية. بعد إن كان البهائيون ومنذ أول تعداد للسكان في العراق في العام 1934 يسجلون اسم عقيدتهم في استمارات الإحصاء وفي سجلات النفوس وفي دفتر النفوس، وكذلك في إحصاء العام 1947 وفي إحصاء العام 1957 ذكرت ثلاث أديان رئيسة هي الإسلام والمسيحية واليهودية، وادرجت ثلاثة عقائد دينية هي الصابئية والايزيدية والبهائية. وحصل البهائيون على شهادة الجنسية مثبت فيها في حقل الدين (بهائي) واستمر الحال لغاية العام 1975 اذ جمدت سجلاتهم، وبسبب هذا القرار، حرموا من تسجيل عقود الزواج، في سجلات الأحوال المدنية، وحرمان البهائي من هوية الاحوال المدنية أو صورة القيد للسجل، وعدم تسجيل الولادات الجديدة، وبذلك حرم اليهائيون من جوازات السفر والتوظيف، ودخول الجامعات، وبيع وشراء الدور والاملاك، ما اضطر البعض منهم الى تغيير حقل ديانته، ومن رفض مازال يعاني من هذه المعضلة التي تتنافى مع ابسط مبادىء حقوق الانسان، وغير منسجمة مع جميع الدساتير التي كتبت في العراق والتي تؤكد على حرية المعتقد، كذلك هو الدستورالعراقي الحالي والذي ينص في المادة (40) منه: “العراقيون احرار في الالتزام باحولهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون”. على الرغم من ذلك، الا ان البهائيين يعيشون في الفجوات المعتمة من قاع المكونات العراقية، ولم يمارسوا ظهورهم الاجتماعي العلني شأنهم شأن باقي الشرائح الاجتماعية نتيجة الواقع الشائك والمعقد الذي فرضه الارهاب في العراق، على الرغم من الفضاء الواسع للحرية الذي جاء به التغيير في العام 2003 الا انهم غير قادرين على التواجد الطبيعي بعد غياب دام لاكثر من ثلاث عقود عاشها البهائيون في العتمة، وهناك الكثير من العراقيين لايعرفون شيئا عن البهائية في العراق الذين كانوا يشكلون نسبة 5آلاف من سكان بغداد حين كان نفوسها 60ألفا آواخر القرن التاسع عشر، ولكن بعد الضغوطات انتهت قرى باكملها على سبيل المثال كانت تدين بالبهائية في بعض المحافظات، والآن هم مبعثرون ولا يصرحون بعددهم لكنهم بكل تأكيد يشكلون نسبة قليلة من سكان العراق، ولم يحظوا بأي اهتمام من قبل الحكومة والاعلام العراقي والاحزاب السياسية، ربما لاسباب دينية او لجهل البعض بوجودهم أو لقلتهم الا ان منظمات المجتمع المدني العراقية هي الوحيدة من تمنحهم فرصة الظهور والتعريف بهم، من دون النظر الى عددهم فالضرورة الانسانية ومعطيات التجربة الديمقراطية لها اشتراطاتها وتعدهم أرقاما صعبة، وعلى الرغم من ذلك لم يتمتع هؤلاء بفضاء حرية التغيير وعلى رحابته، ومازال البهائيون عيونهم شاخصة الى الدستور واخرى تبحث عن النور للخروج من ثياب الخوف وفجوات العتمة التي عاشوها لسنين، يحدوهم الأمل باستنشاق هواء الحرية، والخروج الى الضياء، وهذا لايأتي الا باهتمام اعلامي وقرارات تشريعية وقانونية تتخذها الحكومة لتشعرهم بالامان، على سبيل المثال ــ اصدار قرار من مديرية الاحوال المدنية لالغاء القرار المرقم 358 والقاضي بتجميد قيودهم، اسوة بالقرار الذي صدر من مجلس الوزراء والذي الغى بموجبه القرار سيء الصيت رقم 666 لمجلس قيادة الثورة والقاضي بتجميد قيود العراقيين المنحدرين من اصول غير عربية والكرد الفيلية، ونرى الان ان الوقت قد حان لانصاف هؤلاء العراقيين بعد ان عانوا كثيرا، ولاسيما اليوم حيث العراق ينعم بالامن والاستقرار. ومن الغريب ان يسمح المجتمع العراقي والمؤسسة الحكومية بتواجدهم الرسمي وممارسة شعائرهم منذ العام 1917 ولكنهم حرموا منها في العام 1963 وبشكل يتنافى مع حركة التاريخ والتحضر اذ المجتمعات تثقف باتجاه التنوع واحترام الاخر المختلف. هل يعقل ان المجتمع العراقي قبل ثمانين عاما كان اكثر سماحة وتحضرا من المجتمع الان؟، واذ ثمة طائفة او شريحة مضطهدة في بلاد ما، فبالضرورة من يحكمها هو مضطهد.
No comments:
Post a Comment