Friday, April 10, 2009

المواطن الصغير ممدوح من قرية الشورانية مركز المراغة

ليلة قهر المواطن الصغير ممدوح
بقلم نعم الباز
أمضيت ٤٥ سنة من عمري الصحفي من عام ١٩٦٠ حتى عام ٢٠٠٥ أعمق الانتماء عند أولادنا بكل الطرق مرة بالكتابة ومرات بالرحلات وكثيراً بالرسم ثم أتجه إلى القرى أغترف من أطفالها لأنادى أطفال المدن.. ومرات بالسفر معهم في رحلات «ارسموا مصر واكتبوا عنها» وكثيراً بتشجيع المتفوقين على محو أمية الكبار.. طرق كثيرة كان يختفي في عباءتها تعميق الانتماء.. ونجحت كثيراً وكتب لي مرة أحد أبنائي حينما كبر وذهب للحصول على الدكتوراه في أمريكا يقول لي «لا أنسى يا ماما نعم حينما ركبت معك القطار لأول مرة في حياتي وسافرنا إلى الإسكندرية وشاهدت البحر لأول مرة في حياتي، وكنت أظن أنه مثل بحر النيل في بلدنا له شاطئ آخر، ولكنى عرفت أن البحار ليس لها شاطئ وأن ماءها ملح... وأحببت مصر.. ومازلت وسوف أعود يا ماما نعم بالدكتوراه في أمراض القلب لأشفى كل طفل» كان هذا الخطاب منذ عشرين عاماً.. وعاد الطبيب العظيم وأسعدني أنني نجحت في أن ينتمي.
ولكن ليلة السبت الماضي ضاعت كل مشاريعي للانتماء!! في النظرة التي اختلط فيها الحزن بالضياع بالحيرة للطفل ممدوح عبد الرحمن، الذي حكي كيف رجم بالطوب ثم أشعلوا النار في بيته وكيف طردوا من بيوتهم وكأنهم حيوانات مطاردة.. حكي الطفل للإعلامي عمرو أديب والكاتب أحمد موسى في برنامج «القاهرة اليوم» كيف أخذه والده مع الأسرة لينقذوا حياتهم من هول ما يحدث لا لشيء إلا لأنه بهائي..!! ممدوح من قرية الشورانية مركز المراغة محافظة سوهاج.
وسأله عمرو:
- أنت بهائي إزاي؟
قال ببراءة الطفولة.
- اتولدت بهائي زى بابا
- وبابا كان بهائي إزاي؟
- زي عمي!!
طفل مثل كل أطفال مصر ومثلنا جميعاً.. من ولد من أب وأم مسلمين فهو مسلم، ومن ولد من أب وأم مسيحيين فهو مسيحي.. ولد هكذا وكان يعيش في سلام ويلعب ويلهو ويحب قريته الشورانية مركز المراغة في محافظة سوهاج.. بلد معبد أبيدوس أحد معابد مصر القديمة، التي بها أهم نقش للإله أوزوريس.. طفل من مصر التي عرفت الأديان وعرفت بكل وسائل المعرفة منذ فجر التاريخ!! ماذا يحدث في مصر الآن؟
هل تفتتت مصر؟ هل تقطعت أوصالها؟ هل تجهز نفسها للمشروع الصهيوني من الفرات إلى النيل؟
إن أعظم وأقوى ما في مصر الإنسان.. أينما كان وكيف يعيش وما هي عقيدته؟.. إن بنية مصر الأساسية بشر وللأسف مصر فيها جهاز أمن قوى بل أقوى ما يكون في حماية النظام.. فأين كان هذا الجهاز الأمني وممدوح عبد الرحمن وباقي الأسر الخمس ترجم ثم تقذف بالحمم، ثم تطارد من قرية آمنة كان يعيش أهلها في أمان؟ أين الحماية؟ أين الوطن؟ أقول لكم الحقيقة إن ليبرمان محق في الاستهانة بنا! محق في التهديد بنسف السد العالي وإغراقنا! إن إسرائيل حكومة وشعباً وحلما بالدولة الصهيونية لن تجد لتحقيق مشروعها في مصر أكثر مما تفعله مصر بنفسها هل تنتحر مصر؟.. هل تفتل مصر حبلها لتشنق نفسها؟ ماذا يحدث..؟ ولماذا لا يناقش مجلس الشعب المشكلة؟! ألا يناقش مشكلة وجود خمس أسر بهائية في محيط من المسلمين والمسيحيين ولكن يناقش كيف لا يعيش أي إنسان في أمان على هذه الأرض!
يناقش مجلس الشعب اعتذار ليبرمان المتطرف الذي سوف يكون تطرفه مشنقة تشنق السلام ليريح ونستريح ونعرف من نعادى ومن نسالم؟
لابد أن يفتح ملف أمن المواطنين، هذا الملف الذي لم يفتح للآن فمن يختلف مع النظام يعتقل وينكل به ويعذب ويضرب كما ضربت الطالبتان سارة رزق وأمنية طه في بندر كفر الشيخ وخرجتا بكفالة ألفى جنيه لخزانة الدولة ولكن الأسر الخمس لم تختلف مع النظام، الأسر الخمس تقع تحت مظلة الآية الكريمة التي تدل على سماحة الإسلام ذلك الدين المبنى على الرحمة الآية التي تعطى الأمر بالحرية «لكم دينكم ولى دين» لقد أجار الرسول الكريم بحسمه وعطفه ومن خلال رسالته، أجار زوج السيدة زينب حينما حضر المدينة وهو كافر فقال صلوات الله عليه أجير من أجارت زينب. ولكن مصر دون أن تدرى وكأننا منومون لنكمل ما تريد إسرائيل بلا حرب ولا ضرب ولا سلام.. شعب سوف يأكل بعضه. شعب ليس لديه ثقافة التعايش ليس مع الآخر ولكن مع نفسه!
لا أدرى هل شاهدتم الصغير ممدوح وهو مقهور بدين أبيه الذي أصبح جريمة؟ هل يستطيع أصدقاؤه في القرية أن يشعروا بالأمان وهم لا يعرفون جريمة ارتكبها هؤلاء الذين كانوا يعيشون في أمان وفجأة فتحت عليهم أبواب جهنم؟
إن الذي حدث في قرية الشورانية مركز المراغة لابد أن يتوقف عنده كل من يفكر في هذا البلد الذي استجاب للعب في الأدمغة، ولم يستجب لنداء العقل.. إن إسرائيل استراحت في اختراقاتها التي تخترقها كل يوم للسلام! ودعت خيار الحرب وتفتك بروح المقاومة.. وتلعب من ملعب استجاب له المصريون، إنها تلعب في التركيبة الكيمائية للشعب المصري بعد أن نامت الأسلحة!
كل يوم احتقان..! مرة مسيحي ومرة شيعي.. ومرة بهائي.. أما هذه المرة فالخطورة تكمن في المسلمين والمسيحيين بالقرية.. وفى الأمن الذي لم يستطع أن يشعر تلك الأسر الخمس بأنهم أبناء هذا الوطن! فقدوا الأمن في قلبه وبين أهليهم الذين أُدينهم أيضاً لسلوكهم الغوغائي العجيب!

No comments: