الخطابة المباركة ألقيت في رمل الإسكندرية في فندق فكتوريا في 6 آذار 1912
هو الله إن المظاهر المقدسة الإلهية كانت شموساً نورت عالم الإمكان لعظيم الإشراق. و قد نور كل واحد منهم العالم وقت طلوعه, إلا أن كيفية طلوعهم كانت متفاوتة. فحضرة موسى أشرق كوكبه على الآفاق و لكنه نشر شريعة الله بين بني إسرائيل بقوة قاهرة و لم يتجاوز إلى مكان آخر بل حصرها في بني إسرائيل وحدهم. و أعني بهذا أن كلمة وهبت بني إسرائيل روح الإيمان و أخذت بيد تلك الملة في ظل شريعة حضرته نحو جميع مراتب الرقي فنموا و توسعوا حتى وصلوا إلى عهد سليمان و داود. و لقد استغرق ذلك مدة خمسمائة سنة حتى انتشر الأمر الإلهي انتشارا يليق به. و لقد كان بنو إسرائيل في زمان فرعون في نهاية الذل و الضعف مستغرقين في الهوى و الملذات و منغمسين في الرذائل و الموبقات, فارتقوا بقوة حضرة موسى المعنوية و نجوا من الظلمات و صاروا سببا في تنوير الآفاق و تربوا وفق التربية الإلهية إلى أن بلغوا منتهى درجة الرقي. و بعد ذلك انحرفوا عن الصراط المستقيم, و انصرفوا عن المنهج القويم, ووقعوا مرة أخرى في الذل القديم,إلى أن جاءت دورة حضرة المسيح و طلع كوكب العيسوي. و في أيام حضرته اهتدت فئة بنور الهداية و اشتعلت بنار محبة الله و انجذبت و انقطعت عما سوى الله و انصرفت عن راحتها و عن عزتها و عن حياتها و نسيت جميع شئونها, إلا أنها كانت فئة قليلة و في الحقيقة كان عدد المؤمنين الحقيقيين اثني عشر نفراً و أعرض عن الحق واحد منهم و استكبر, فانحصرت عدتهم بأحد عشر نفرا و بضع نساء. وقد مرت ثلاثمائة سنة لم ينتشر أمر حضرته انتشارا كبيرا ثم نفذت كلمة الله و بلغ نداء ملكوت الله جميع أطراف الأرض و أحيت روحانية حضرته العالم و نورته بنورها. ثم جاء زمن حضرة الرسول عليه السلام و طلعت شمس حضرته, و لكنه ظهر في صحراء قاحلة لا ماء فيها و لا نبات بعيدة عن سيطرة الملوك و لا تسودها قوة و لم تنفذ إليها قوى سائر الممالك, بل كانت القوة محصورة في بضع قبائل كانت هي في منتهى الضعف و لكنها كانت ذات صولة بالنسبة لغيرها من القبائل. و كانت قبيلة قريش أعظم تلك القبائل و كانت أعظم قوة لها لا تزيد على الألف شخص, و كانت تحكم مكة و كانت المعيشة في بادية العرب عارية عن النظام و السلطة, و كان سلاحهم عبارة عن السيف و الرمح و العصا. لقد رفع حضرته أمر الله بقوة قاهرة ومن المعلوم أن كل نفس ترى القوة القاهرة تخضع و تخشع و لها يستسلم كل عاصٍ ويطيع. فلو أن إنسانا قرأت له ألف كتاب من النصائح و لم يتأثر بها و استدللت له بدلائل و بينت له بينات تؤثر حتى في الصخر الأصم و لكنها لا تؤثر فيه, فإنه بأقل قوة قاهرة يتأثر إلى درجة يخضع خضوعا تاما و يخشع خشوعا و يقوم بامتثال الأمر, فحضرة الرسول رفع أمره بالقوة القاهرة و بها رفع رايته و نشر شريعة الله) عبد البهاء عباس
No comments:
Post a Comment